اليمن: زيارة الزُبيدي لموسكو بين بيان «الانتقالي» وبيان الخارجية الروسية «الضبابي»
مأرب برس -

الأربعاء 22 أكتوبر-تشرين الأول 2025 الساعة 09 مساءً / مأرب برس – القدس العربي

 

 بشكل مفاجئ أعلن المجلس الانتقالي الجنوبي (الانفصالي)، مساء الثلاثاء، عن وصول رئيسه، عيدروس الزُّبيدي، للعاصمة الروسية موسكو، كما أعلن البيان، في الفقرة الثانية مباشرة، عن انعقاد لقاء ثنائي مع وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، وعدد من المسؤولين الروس.


في الصور المرفقة ببياني «الانتقالي» والخارجية الروسية تظهر طاولة مباحثات، إذ يتواجد عدد من المسؤولين على كل جانب، وكأن الحدث يتجاوز اللقاء الثنائي، والمثير لأسئلة كثيرة هو عدم وجود العلم اليمنيّ على طاولة أو في خلفية الجانب اليمنيّ، وفق ما أشار إليه البيان الروسي باعتبار الزبيدي يمثل «جمهورية اليمن»، وفق ما ورد في عنوان نص البيان، مما يوحي أن اللقاء قد أُلبس لبوسًا تتجاوز حقيقته، وما حاول البيان الروسي تقديمه.


في البيان الروسي كانت وظيفة الزُّبيدي الحكومية هي الأولى، بينما جاءت رئاسته للانتقالي عقب الوظيفة الحكومية، مما يدلل على أن الزيارة كانت رسمية باسم وظيفته الحكومية عضوًا في مجلس القيادة الرئاسي (البيان الروسي منحه صفة نائب رئيس مجلس القيادة، كما في بيان الانتقالي)، بينما جاءت الصفة الحكومية في بيان «الانتقالي» هي الثانية.
إلا أنَّ تضمين البيان الروسي (المنشور في موقع الخارجية الروسية) صفة الزُّبيدي كرئيس للمجلس الانتقالي يوحي، أن اللقاء كان لهذا الاعتبار أيضًا، أما منح البيان الأولوية للصفة الحكومية، فذلك جاء دفعًا للحرج الدبلوماسي لموسكو، في تجاوز الأعراف السياسية المعمول بها في استقبال ممثلي الكيانات الانفصالية رسميًا، ما يعني أن استقبال ممثلي مشاريع الانفصال يمثل، بمستوى من المستويات، دعمًا مبدئيا لها، واعترافا أوليًا بها.


الخبر الرسمي في وكالة الأنباء اليمنية (سبأ)، بنسختها الحكومية، اقتصر على ذكر وظيفة الزُّبيدي الحكومية، ولم تذكر صفته رئيسًا للمجلس الانتقالي الجنوبي، مما يعني أن ترتيبات الزيارة كانت من خلال الحكومة اليمنية المعترف بها دوليًا، بينما كان الهدف من الزيارة متجاوزًا لتلك الصفة.
الملاحظ في بيان المجلس الانتقالي الجنوبي أنه لم يخرج من الزيارة بأي موقف روسي (واضح) بشأن مشروعه الانفصالي، وهذا أمر طبيعي فموسكو لن تتسرع وتتجاوز الواقع؛ وإن كان بيان الانتقالي نقل عن الزُّبيدي تأكيده خلال اللقاء «أهمية الدور الذي يمكن أن تضطلع به روسيا للإسهام في دعم جهود السلام الهادفة إلى إعادة الاستقرار إلى المنطقة، من خلال العمل والتنسيق المشترك مع الأطراف الفاعلة على الأرض».
وفي سياق هذه العبارة، وتحديدًا ما يتعلق «من خلال العمل مع الأطراف الفاعلة على الأرض» يقدّم الزًّبيدي نفسه باعتباره قوة فاعلة على الأرض، وبالتالي فهو المعني بالتنسيق والتفاهم مع القوى الدولية، وهذا بقدر ما هو تجاوز للواقع هو تكريس لرؤيته الانفصالية، التي جاءت فقرة لاحقة لتتحدث عنها، من خلال تأكيد الزُّبيدي «على أن حماية الجنوب يمثل أولوية للمجلس الانتقالي الجنوبي، وأن أي حل سياسي شامل يجب أن يقوم على أساس احترام قضية شعب الجنوب وحقه في تحقيق تطلعاته باستعادة دولته».


وفي هذا السياق، يُكرّس الانتقالي نفسه ممثلًا للجنوب اليمنيّ، ورافعة لمطلبه في استعادة دولته، في إشارة إلى الانفصال، وهو ما عبّر عنه بيان الانتقالي ، مما يعني أن هذا الموضوع كان ضمن نقاش واضح مع وزير الخارجية الروسي، وهو وإن لم يشر إليه البيان الروسي، يمثل تطورًا دبلوماسيًا خطيرًا يتجاوز به المجلس الانتقالي الجنوبي مربع الهامش إلى عقد مباحثات رسمية باسم قضية لا مشروعيه للانتقالي في تمثيلها، علاوة أن التقاليد والأعراف الدبلوماسية تقتضى بعدم تجاوز الوضع القانوني والدولي والسياسي القائم للجمهورية اليمنية كدولة واحدة، إلا أن اللقاء الذي عُقد في الخارجية الروسية تجاوز ذلك بشكل غير مباشر.


بيان الانتقالي عن اللقاء، كعادته لم يتضمن اسم اليمن، واستبدلها بكلمة «بلادنا»، وهو التواء على التسمية الرسمية للبلد، وهو في نفس الوقت يعكس توجه الانتقالي الذي يرفض اسم اليمن، باعتباره لا يرفع مشروع انفصال سياسي عن شمال اليمن، بل يرفع مشروع انفصال سياسي وهوياتي عن اليمن، انطلاقًا من اعتقاد يسوّق له، ومفاده أن جنوب وشرق اليمن ليس يمنيًا ، وهو ما يأتي في سياق مشروع يقضى على أي محاولة لإعادة وحدة اليمن في حال تم الانفصال، وانطلاقًا من ذلك منح دولته الانفصالية المزعومة اسم «دولة الجنوب العربي»، بل تخلى حتى عن «جمهورية»، واستعاض عنها باسم دولة.


في المقابل، جاء البيان الروسي، متحدثًا عن لقاء جمع وزير الخارجية الروسي مع نائب رئيس مجلس القيادة الرئاسي في اليمن، ورئيس المجلس الانتقالي الجنوبي، عيدروس الزُّبيدي، وبهذا فالبيان الروسي يقول إن اللقاء جاء باعتبار الرجل يمثل الجمهورية اليمنية أولًا، لكنه ذكر صفته الثانية، وهذا يدلل، كما سبقت الإشارة، على أن هذه الصفة كانت في الاعتبار أيضًا. وأوضح البيان الروسي، في الفقرة الثانية، أنه جرى خلال اللقاء «التوجه المتبادل للتعزيز اللاحق للعلاقات الروسية – اليمنية تقليديًا، وتم التأكيد على مواصلة إنماء التعاون متنوع الأوجه في المجالات التجارية – الاقتصادية والشؤون الإنسانية». في هذه الفقرة لم يتجاوز البيان الروسي الواقع متحدثًا عن اليمن، وهو ما خلى منه بيان الانتقالي.


وأضاف (وهنا المهم): «وأُعطِيَّ اهتمام خاص لتطور الوضع في اليمن، وما يتعلق به. وأُشير إلى ضرورة بدء حوار وطني واسع برعاية منظمة الأمم المتحدة في أسرع وقت ممكن، بهدف التوصل إلى حلول وسط للمشكلات القائمة وتقريب وجهات نظر الأطراف اليمنية المتنازعة».


لم يتحدث البيان الروسي عن موقفه من الوحدة اليمنيّة صراحة، لكنه ربط المسألة بكافة الأطراف اليمنيّة، مشيرًا إلى ضرورة بدء حوار وطني واسع برعاية أممية للتوصل إلى حلول وسط للمشكلات وتقريب وجهات نظر الأطراف اليمنية المتنازعة.
على الرغم من أن الموقف الروسي كان ضبابيًا من مسألة الوحدة اليمنيّة تحديدًا وبدا وكأنه يلتزم الحياد، إلا أنه كان ذكيًا في تجاوز المأزق الذي شعر أنه وُضع فيه، من خلال التورط في هذا اللقاء، لكنه تجنب، في ذات الوقت، الموقف الدولي الواضح المتعلق بسلام واستقرار ووحدة الأراضي اليمنيّة؛ مما يوحي أنه تعرض لضغط من أجل عقد اللقاء، وفي نفس الوقت يُفهم من موقفه أن هذه البداية غير مبشرة على صعيد الموقف الروسي من وحدة اليمن.

 


إقرأ المزيد