لبنان على فوهة البركان.. التسوية تتأرجح بين إنذار واشنطن ومعاندة المحور!
مأرب برس -

الثلاثاء 21 أكتوبر-تشرين الأول 2025 الساعة 07 مساءً / مأرب برس -  كلادس صعب

 

يتحول المشهد اللبناني إلى الساحة الرئيسية لفرض الحلول الأمريكية في المنطقة، معلنًا أن الشرق الأوسط يتجه نحو “جبهة لبنان” بشكل كامل. الأجواء تشتعل، فبينما يطلق المبعوث الأمريكي توم باراك سلسلة من الإنذارات الصارمة تصدرت الساحة الإعلامية، اعلن فيها أن البلاد أصبحت تمثل “القطعة المفقودة” في فسيفساء السلام الإقليمي، خرقت مسيرات إسرائيلية سماء بيروت بشكل غير مسبوق ووصلت إلى محيط القصر الجمهوري. هذا التصعيد ليس عسكريًا فحسب، فباراك يؤكد أن لبنان بات “رهينة هيمنة حزب الله”، وأن نفوذ الميليشيا أصبح العائق الأكبر أمام سيادة الدولة، وأن مفتاح الاستقرار الإقليمي يمر حتمًا عبر تفكيك بنية القوة الموازية.

 

المشهد دفع رئيس مجلس النواب نبيه بري الذي وصلته رسائل نارية متعددة أقربها الغارات التي استهدفت المصيلح حيث قصره الصيفي، إلى لقاء عاجل مع الرئيس جوزيف عون في بعبدا وسط هدير الطائرات المسيرة، مما يؤكد أن لبنان دخل مرحلة تحديد المصير على وقع الإنذار النهائي الذي أشار إليه باراك بخصوص تاريخ 13 أكتوبر، الذي أرسى الدعامة الأولى لمشروع ترامب للسلام. المبعوث الأمريكي حذّر من أن المبادرات السخية، كعرض 200 مليون دولار لدعم الجيش، قد وصلت إلى طريق مسدود.

 

هذا التحرك الدراماتيكي تزامن مع وصول وفود أمريكية رفيعةالى “اسرائيل”، من بينها المبعوث الأمريكي ستيف ويتكوف ومهندس إعمار غزة و”صفقة القرن” جاريد كوشنير. تُؤشر هذه الزيارة لتل أبيب إلى عودة الأخير إلى الساحة الفلسطينية بعد اتفاق وقف إطلاق النار في غزة. هذا الحضور يُفهم على أنه تمهيد للمرحلة التالية من خريطة ترامب، والتي قد تفتح الطريق أمام كوشنير لتنفيذ خطته الاقتصادية في القطاع، في إطار إعادة تشكيل الإقليم على أسس جديدة.

 

ترافقت هذه الزيارة مع خطوة عسكرية غير مسبوقة وفق المعطيات التي نشرتها صحيفة “وول ستريت جورنال” عن وصول نحو 200 جندي أمريكي إلى إسرائيل لإنشاء مركز تنسيق لمراقبة وقف إطلاق النار. إن وجود العين الأمريكية في الميدان يحوّل الهدنة إلى واقع خاضع لرقابة دولية مباشرة تُدار من واشنطن.

 

وقد بلغت الرسالة الأمريكية حد توجيه إنذار حازم لنتنياهو، الذي يستمر بالسعي لتمديد أمد الحرب، وذلك خلال اجتماعه بويتكوف وكوشنير. تؤكد هذه الرسالة أن واشنطن لن تسمح بعرقلة خطتها، وأن بإمكان إسرائيل الدفاع عن نفسها دون تعريض وقف إطلاق النار للخطر. كل هذا يؤكد أن “القرار الأمريكي الكبير “بات وشيكا ،خاصة وأن هذه الزيارات تزامنت مع الزيارة الأهم على الإطلاق،وصول نائب الرئيس الأمريكي جي ديفنس لى تل أبيب اليوم. هذه المعطيات جميعها تؤشر إلى أن المرحلة الأولى التي بدأت في غزة ستكون وجهتها الثانية هي لبنان، الذي يقف أمام خيار حاسم بين استعادة سيادته أو التخلف عن قطار التسويات الإقليمية.

 

وفي هذا السياق الملتهب، جاءت تصريحات المرشد الإيراني علي خامنئي لتضيف بعدًا إقليميًا مضادًا. فقد وصف خامنئي كلام الرئيس الأمريكي عن “تدمير الصناعة النووية” بأنه “أضغاث أحلام”، مؤكداً أن ما يُعرض على إيران هو إملاء بالقوة. هذه الرسالة تحمل تحذيراً ضمنياً لبيروت من مغبة الانخراط في تسويات تُضعف موقع حزب الله. هكذا، يجد لبنان نفسه محشوراً بين الإنذار الأمريكي القاسي والتحذير الإيراني الرافض، في لحظة اختبار سيادي حاسمة.

 

لقد تجاوز لبنان مرحلة الترقب، ليجد نفسه الآن مكبلاً بين نقيضين لا يقبلان الحلول الوسط. فالتحدي الأكبر ليس فقط في نزع سلاح حزب الله، بل في اتخاذ قرار سيادي نهائي يحدد موقعه في توازنات القوة الكبرى. هل يختار الانخراط في “قطار التسويات” الأمريكية مقابل الانتعاش الاقتصادي، أو التمسك بمحور “المقاومة” وتحمل تبعات “لحظة المحاسبة” القادمة؟ يبدو أن زمن المناورة انتهى بلا رجعة. بات القرار الحاسم إما أن يُتخذ داخليًا عبر استعادة الدولة لاحتكار سلاحها، وإما أن يُفرض عليها من الخارج بثمن باهظ وغير مضمون العواقب، مما يهدد بفتح صفحة جديدة وربما أكثر دموية في تاريخه الحديث.

 


إقرأ المزيد